خسائر الاقتصاد العربي جراء »كوفيد-19« نحو 323 مليار دولار
وضع المالية العامة في المنطقة العربية أمام تحديات كبيرة
دفعت جائحة »كورونا« البلدان العربية كافة إلى الاستجابة بقوة على مستوى المالية العامة، وإذا كانت أزمة 2008 أزمة مالية، إنعكست على قطاعات إقتصادية، فإن »كورونا« أزمة إنسانية إنعكست على القطاع الاقتصادي الحقيقي الذي يؤثر بالتالي على القطاع المالي.
وقد شهدت الدول العربية تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3,4 في المئة عام 2020 بسبب إنخفاض أسعار النفط وعمليات الإغلاق لمنع إنتشار الفيروس، وفق تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في نيسان الفائت.
واقعٌ وضع المالية العامة في المنطقة العربية أمام تحديات كبيرة نظراً لنضوب الإيرادات، حيث تعاني هذه المالية حرجاً في الكثير من بلدان هذه المنطقة التي كانت أصلا تترنح منذ ما قبل الجائحة. فارتفاع مستويات الدين ومعدلات العجز سيفضي إلى تآكل الحيز المالي، مما يُعَرِّض البلدان العربية لمخاطر إنتشار الفيروس مجدداً، ويسفر في بعض البلدان، عن عدم الاستمرارية في ديناميكية الدين.
تواصل البلدان العربية التصدّي للصدمتين المتمثّلتين في جائحة »كوفيد-19« من جهة، وتقلّب أسعار النفط من جهة أخرى، صدمتين أدتا إلى إحجام المستثمرين عن الإستثمار في أسواق المال، وانخفاض التداول في الأسهم، وإنحسار تدفقات الاستثمار والسياحة والتحويلات المالية، وتدني آفاق النمو، مع سيطرة حالة عدم اليقين.
حتى اليوم لا يزال التفاوت كبيرا في إستيعاب الأزمة لدى الدول العربية، بالرغم من إتخاذ كل منها التدابير الوقائية من الحجر الصحي، وعمليات إغلاق الكثير من المؤسسات الرسمية والخاصة، ووقف الكثير من الأنشطة الإقتصادية تبقى دول مجلس التعاون الخليجي ومصر في وضعية أفضل من بقية الدول العربية المحدودة الموارد من حيث مواجهة التحديات وتمويل العجز المترتب الذي سيخلفه الوباء، فسياسات التحوط المالي لتمويل خطة إنقاذ شاملة كانت السلاح الذي حصنت به الدول الخليجية ومصر، وباتت بقية الدول العربية بحاجة إلى البحث عن موارد لتمويل خطط إنقاذ عاجلة خصوصا للجانب الاقتصادي والاجتماعي في ظل تراكم تاريخي لمديونية هذه الدول، ما قد يمثل لها عائقا كبيرا للتنمية الاقتصادية.
د. فيصل العليان : طرح السندات فكرة فعالة
في هذا السياق، يؤكد الدكتور فيصل العليان، كاتب ومحلل اقتصادي ومدرب معتمد للتحليل في اسواق المال، في حديث لـ »البيان الإقتصادية« أن معظم الدول العربية دول ناشئة وليست صناعية، فكان التأثير عليها من ناحية الاقتصاد قوي جداً ما تسبب في شلل في ميزانياتها، ولكن طرح السندات كفكرة وكخطوة إستباقية وطرحها في الاسواق في محاولة لتغطية عجز الميزانيات التي حصلت في جائحة »كورونا« بدأت تعطي ثمارها على معظم الدول العربية، لافتا إلى أن بعض الدول الخليجية بدأت بدعم الدول العربية التي بحاجة إلى خطط إنقاذية عاجلة بتأسيس ودائع لها على المدى الطويل، حيث تستطيع الاستفادة منها في تنمية اقتصادها.
وليس بعيدا عن أسباب تعثر المالية العامة نلاحظ العجز الواضح في ميزانيات الدول العربية الذي لا يزال مستمرا.
د. محي الدين الشحيمي : تضخم قياسي وتراجع قيمة العملات الوطنية
بدوره، يشرح الأستاذ في كلية باريس للأعمــــــال والدراســــــات العليــــــا الدكتور محي الدين الشحيمي أن المالية العامة للدول العربية الضعيفة تحملت التأثير الأكبر تلتها الدول النفطية، خصوصاً تلك ذات الإقتصاد المتواضع وغير المستقل من حيث المواد الاولية والصناعة والتسويق، والقائم على السياحة ووسائط النقل التي دخلت في دائرة الجمود بسبب الإغلاق العالمي التام، ما أدى بها إلى معدلات قياسية في التضخم وتراجع قيمة عملاتها الوطنية.
وبرأيه، فإن كل ذلك أدى إلى إنكماش حاد في الإقتصاد والمتزامن مع ركود كبير ومتفاوت، متوقعا أن يكون العام 2022 عام التعافي للدول التي نجحت في تلقيح 70 في المئة من سكانها مع نهاية العام الحالي، مرجحاً ان تكون الإمارات والمملكة العربية السعودية أولى الدول العربية التي ستحقق التعافي الإقتصادي بفعل قدراتها على التعافي والسرعة في إستخدام اللقاحات.
صندوق النقد الدولي: لتوسيع الحيز المالي
بالعودة إلى ما ينتظر المالية العامة في المنطقة، يبرز ما أورده صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في أكتوبر 2020، تحت عنوان »آفاق الاقتصاد الإقليمي: منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا« بأنه حتى في ظل الإجراءات الطموحة في السيناريو الأساسي لضبط أوضاع المالية العامة، وبرغم أنه كان قد سبق إتخاذ إجراءات مشابهة، لا يُتوقع عودة البلدان إلى مستويات مديونيتها التي كانت سائدة قبل الجائحة. وفي مواجهة مواطن الضعف المتزايدة على مستوى المالية العامة، ينبغي أن تخفف الحكومات المخاطر المالية بوضع أطر للمالية العامة متوسطة الأجل، واعتماد قواعد مالية، وتعزيز إدارة الدين.
وفي الوقت نفسه، يجب أن تسعى هذه الحكومات لتوسيع الحيز المالي من خلال تعزيز الامتثال الضريبي، وزيادة تصاعدية النظم الضريبية، ورفع مستوى كفاءة الإنفاق بوسائل منها تحسين الحوكمة والإلغاء التدريجي لدعم الوقود. وكذلك يجب أن يسعى صناع السياسات إلى دعم تحقيق تعافٍ احتوائي من خلال تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، وإعطاء الأولوية للإنفاق على الصحة والتعليم وإعادة التدريب لشغل وظائف جديدة، وفق التقرير الأممي.
في الواقع، لقد أثرت المعاناة التي سببتها الجائحة على الدول العربية كحكومة وكشعوب وكتجار، وبالإضافة إلى ضرورة البدء بخلق فرص وظيفية جديدة، يبرز ضرورة جذب المستثمر أجنبي وتقديم التسهيلات له لعودة حياة الاقتصاد من جديد، ينتج عنها حركة في عجلة الاقتصاد، ومنها يبدأ النمو الاقتصادي تدريجياً بالنسبة للدول العربية.
د. عراجي: مجموعة من السياسات لتحصين النظم المالية العربية
وبالإضافة إلى هذه الآليات، يبرز ما جاء على لسان الدكتور سليم عراجي، مسؤول الشؤون الاقتصادية في الإسكوا، من طرح لأهم السياسات التي يمكن أن تساهم في تحصين النظم المالية في المنطقة العربية:
– تشجيع صناديق الثروة السيادية العربية على المشاركة في تعزيز التعافي الاقتصادي الإقليمي.
– خلق صناديق تحفيزية للقطاعات التي تساعد على توظيف الفئات الأكثر فقرا بما فيها النساء للحد من الفقر.
– دعم العملات الأجنبية ضروري في البلدان حيث التدخلات في النظام النقدي محدودة، ولا سيما في البلدان ذات نظم ازدواج العملات.
هذا في ما يتعلق بالسياسات الخارجية، أما بخصوص بعض السياسيات الداخلية للدول، فيركز د. عراجي على أهمية متابعة المصارف المركزية توفير السيولة اللازمة للأسواق مهما كان الثمن خلال فترة الإغاثة والتعافي، وإعادة هيكلة الديون خصوصا للشركات المتناهية الصغر، والشركات الصغيرة والمتوسطة.
انشر تعليق