بعد عقود من التشويه.. هل يحتاج العالم لنظام مالي جديد لا يكون الدولار مركزه؟
يُلقى باللوم على الأزمة المالية في عام 2008 في تشويه النظام المالي العالمي، وتغيير الطريقة التي يعمل بها، الامر الذي يتسبب في اضطرابات أحيانا ما تكون »غامضة« لأطراف السوق بمن فيها المنظمون.
ويرى البعض ان النظام المالي مشوّه بالأساس منذ تحوله الأخير بعد انهيار نموذج »بريتون وودز«، وتحرير العملات الذي جعل من الدولار الأميركي مركز النظام الجديد، ويتجلى هذا التشويه في قول جون كونالي وزير الخزانة في عهد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون: »الدولار هو عملتنا، لكنه مشكلتكم«.
ففي حين تمتلك أميركا وصولا لا محدود للعملة المركزية في هذا العالم، قد تعاني دول أخرى من اضطرابات لنقص الوصول الى هذه »الورقة الاقتصادية الحاسمة«، خاصة في خضم الأزمات، ولا شك بالتأكيد في ان كون أميركا مركزا للنظام العالمي يجعل اي اضطرابات تشهدها مصدر ازعاج للدول أجمع، وكانت الأزمة المالية والاضطرابات اللاحقة خير دليل.
على أي حال سواء كان النظام المالي القائم معيبا منذ 13 او 50 عاما، فالحقيقة الثابتة والمهمة هي انه يؤجج الاضطرابات الاقتصادية من وقت لآخر، والأسوأ انه يغذي بمرور الوقت، عدم المساوات والفقر، ليبدو كأنه قام لخدمة 0,01 في المئة من البشر على حساب الأغلبية المطلقة.
وقد تمسكت معظم الاقتصادات قبل الحرب العالمية الأولى بمعيار الذهب »شبه الصارم«، ومن ثم في نهاية الحرب العالمية الثانية، صمم نظام دولي جديد (نظام بريتون وودز) مع ربط الدولار بالذهب، والعملات الرئيسية الأخرى.
وعندما إنهار هذا النظام في بداية السبعينيات انتقل العالم الى نظام النقد الالزامي، حيث لم يكن الدولار مدعوما بسلعة، وبالتالي لم يكن النظام بدرجة الرسوخ والثبات التي كان عليه سابقا، والآن يبدو ان النظام وصل الى نهايته واستنزفت فوائده كافة.
في سياق متصل أكد صندوق النقد الدولي أن المؤسسات المالية الضعيفة، وعدم كفاية التنظيم والاشراف، وانعدام الشفافية كانت أسبابا رئيسية للأزمات المالية في أواخر التسعينيات وكذلك الأزمة المالية العالمية لعام 2008.
لذلك، يجب ان تشمل الحلول إلغاء واسع النطاق للديون، وخاصة الديون الحكومية التي تحتفظ بها البنوك المركزية، حيث تشير التقديرات الى نحو 25 تريليون دولار من الدين الحكومي في المناطق الرئيسية للاقتصاد العالمي، كون الملكية العالية للديون الحكومية من قبل أجزاء من النظام المالي مثل البنوك وشركات التأمين يمكن أن تؤدي الى خسائر كبيرة، وفي هذه الحالة، ينبغي النظر في اعادة رسملة أجزاء من النظام المالي كجزء من جهود إنشاء النظام النقدي الدولي الجديد، ويجب طبعا اعادة النظر في حركة عائدات السندات وأصول التقاعد التي ستتأثر، فوجود دعامة جديدة ترسخ للنظام الجديد، سينتقل الاقتصاد العالمي الى نموذج رأسمالي أنظف، حيث تعود الأسواق المالية الى دورها الأساسي في اكتشاف الأسعار وتخصيص رأس المال بناء على الأساسيات المتصورة بدلا من مستويات السيولة.
وقد تنبأ الاقتصادي الأميركي روبرت تريفين بانهيار نظام »بريتون وودز«، في ستينيات القرن الماضي، حيث اقترح إنشاء وحدات احتياطات جديدة لا تعتمد على الذهب او العملات، لكن يزيد إجمالي السيولة العالمية، ما يسمح للولايات المتحدة لتخفيض العجز في ميزان المدفوعات من دون التأثير على النمو العالمي.
وقد أعيد هذا المقترح للواجهة في السنوات القليلة الماضية، مع تعاظم تأثير العملات الرقمية، والتي يرى البعض أنها قد تكون بديلا مناسبا للدولار الأميركي خاصة أنها تضمن شفافية أكبر ورسوما أقل وتعاملات أسرع، وفي الوقت نفسه تشكل حلا لمفارقة تريفين، فقد تشكل العملات الرقمية وغيرها من الابتكارات التقنية، الأساس لنظام مالي عالمي أكثر انفتاحا وشمولية. ومن خلال التعليم والابتكار والتعاون مع المؤسسات المالية والهيئات التنظيمية القائمة، ستساهم في ظهور نظام مالي ديمقراطي جديد أسرع بكثير مما توقعه الكثيرون.
المصادر: – فايننشال تايمز-الأمم المتحدة – صندوق النقد الدولي – أرقام.
انشر تعليق