دبي
5 Jul, Friday
38°C

أكبر أزمة مرورية للسفن في أهم ممر ملاحي في العالم

حادثة قناة السويس تعطّل التجارة العالمية وتكبّد القطاعات خسائر ضخمة

30% من إجمالي حركة شحن الحاويات في العالم تمر عبر قناة السويس

فيتش: خسائر شركات إعادة التأمين أكثر من 3 مليارات دولار

أتت حادثة قناة السويس في ظل ضغوط تعيشها شبكة التجارة العالمية جراء المصاعب والتحديات الإقتصادية التي أنتجتها ولا تزال جائحة فيروس »كورونا« منذ أكثر من عام.

واتجهت أنظار العالم الى قناة السويس، الممر الملاحي الحيوي الثالث في العالم بعد مضيقي هرمز وملقا في حوض البحر الهادي، بعد جنوح سفينة إيفر غيفن EVER GIVEN، وهي واحدة من أكبر سفن الشحن في العالم، البالغ طولها 400 متراً وعرضها 59 متراً وحمولتها الإجمالية 224 ألف طن، بينما كانت تبحر في اتجاه الشمال من البحر الأحمر صوب البحر المتوسط، حيث انحرفت بميل لتغلق القناة بالعرض بسبب سوء الأحوال الجوية التي نجم عنها رياح قوية وعاصفة ترابية. والسفينة مملوكة لشركة »شوي كيسن كايشا« اليابانية ومسجلة في بنما ومستأجرة من شركة إيفر غرين EVERGREEN التايوانية.

 نجاح التعويم

وانتهت بنجاح عملية تعويم السفينة الجانحة التي أغلقت  قناة السويس لمدة سبعة أيام واستؤنفت حركة الملاحة بعد توقف حركة المرور إثر إغلاق  السفينة للجزء الجنوبي من القناة الذي يسمح بالمرور في اتجاح واحد فقط، وهو ما يعني أنه ليس بوسع سفن أخرى العبور إذ انتظرت قائمة تقترب من 400 سفينة عند مداخل القناة لإنهاء عمليات التعويم، واستغرق عبورها أيام عديدة.

وفور وقوع الحادثة، تشكلت لجنة إدارة الأزمات بقيادة رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، وبدأت عمليات الإنقاذ من خلال إدارة التحركات في الهيئة والإعتماد على قاطرات وكراكات محلية.

اضطراب شركات الشحن

أدى جنوح السفينة الضخمة في قناة السويس إلى عرقلة قطاع الشحن الدولي، وهو أمر قد لا يزول أثره قبل أشهر، حيث تمر نحو 30 في المئة من إجمالي حركة الشحن بالحاويات في العالم يومياً عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومتراً، وحوالى 12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية لجميع البضائع،  إذ أعيقت على سبيل المثال شحنات قيمتها 9,6 مليار دولار يومياً بين آسيا وأوروبا. وتعطلت أيضاً الحاويات الفارغة التي تحتاجها المصانع الآسيوية لشحن منتجاتها أثناء توقف الملاحة،  علماً ان وجود عدد كبير من السفن المتأخرة في انتظار العبور أدى الى التزاحم في الوصول لبعض الموانئ وكبّد الشركات تأخيرات باهظة التكلفة.

وفي هذا السياق، قررت بعض شركات الشحن العالمية مثل MAERSK الدنماركية وCMA CGM الفرنسية تغيير مسار سفنها واللجوء الى استخدام طريق رأس الرجاء الصالح حول افريقيا، وهو الطريق البحري الذي كانت تمر به السفن التجارية المتوجهة من وإلى آسيا قبل حفر ممر قناة السويس، وهو ما يضيف أسبوعين الى الرحلات (10 آلاف كيلومتر للرحلة الواحدة)، بالإضافة الى المزيد من تكاليف الوقود، كون الأخير يعد أكبر مصدر تكلفة منفرد للسفينة ويشكل ما يصل الى 60 في المئة من تكاليف التشغيل.

وتوقعت MAERSK فقدان جزء كبير من طاقتها التشغيلية رغم إستئناف الحركة في القناة، كما قررت عدم توقيع أي عقود »في المستقبل القريب جداً«.

مطالبات محتملة بتعويضات ضخمة

بـــــادرت الشركـــــة المالكـــــة للسفينـــــة »شو كيسن« اليابانية للإعتذار عن حادثة قناة السويس، إلا أن هناك تقديرات بأن تواجه الشركة مطالب بتعويضات ضخمة بملايين الدولارات من مشغلي السفن المتعطلة، وتلك التي أجبرت على تغيير خططها ومساراتها، وكذلك من موردي ومستوردي البضائع المحملة على متن هذه السفن.

وكان قد حرك مالك السفينة دعوى قضائية ضد الشركة المشغلة تشير الى »تقييد الأميرالية«، وهي إحدى طرق القانون البحري التي يسعى من خلالها المالك الحدّ من مسؤوليتـــــه فـــــي حـــــال وقوع حادث كبير. والجدير بالذكر أن هيئة قناة السويس بصدد انتظار ما سيكشفه الصندوق الأسود في السفينة الجائحة من حقائق ومعطيات.

وليس واضحاً حتى الآن حدود مسؤولية السلطات المصرية في هذه الأزمة، وإن اضطرت للمساهمة في التعويضات، فإنها ستضاف الى الخسائر المباشرة، التي تراكمت يوماً بعد يوم جراء تعطل الملاحة في القناة.

خسائر عالمية

رجحت تقارير عدة أن خسائر إغلاق قناة السويس قد تتجاوز المليار دولار، وأن التجارة العالمية خسرت 400 مليون دولار في الساعة الواحدة. وقدرت الخسائر العالمية لإغلاق القناة ما بين 6 الى 10 مليارات دولار أسبوعياً، حسب شركة التأمين الالمانية أليانز ALLIANZ. كما أن التوقف عن الملاحة ضاعف أسعار النقل والتأمين وتكاليف الإنتاج والوقود، إذ ارتفعت أسعار النفط بنسبة 6 في المئة بعد يومين فقط من الحادثة وتعطل مرور 10 ملايين برميل نفط، أي ما يعادل بين 1,5 مليون الى مليوني برميل يومياً، وهو ما ضاعف كلفة شحن النفط مرتين. وعطّل الإغلاق أيضاً مسار 16 سفينة للغاز ما أثر على جداول التحميل في مصادر الغاز.

علاوة على ذلك، قدرت وكالة فيتش أن إغلاق القناة قد يكبد شركات إعادة التأمين العالمية خسائر كبيرة تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار.

الى ذلك، فقدت قناة السويس يومياً حوالى 15 مليون دولار في شكل إيرادات ورسوم عبور وفق حركة الملاحة البحرية، ما يعني ان خسائر قناة السويس خلال الأسبوع الذي أغلقت فيه قد تصل الى نحو 100 مليون دولار، ما يؤثر بطبيعة الحال في حصيلة القناة التي تعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي للإقتصاد المصري، عدا التكاليف المترتبة عن توقف أعمال خدمة السفن وأطقمها والأعمال الأخرى التي تساهم في إنعاش المدن المصرية على طول الممر. وكانت قد حققت قناة السويس خلال العام المالي 2019 /2020 إيرادات بلغت نحو 5,6 مليار دولار.

شبح الخسائر يلاحق  شركات التأمين

أمر واقع أن تكون خسائر قطاع التأمين عالمياً كبيرة، لكن من السابق لأوانه تقدير الأضرار وتحديد الجهات والشركات التي ستتحمل المطالبات.

وستعمل شركات إعادة التأمين على تعويض خسائرها عبر رفع الأسعار، ما سينعكس على شركات التأمين والعملاء.

جورج قبان (UIB) : »ارتفاع أسعار التأمين البحري كان بالسابق مدفوعاً بنتائج المعيدين لكن الآن سيكون هذا المسار أكثر حدة«

ومن وجهة نظر الرئيس التنفيذي لشركة يو أي بي UIB لوساطة التأمين وإعادة التأمين في مركز دبي المالي العالمي جورج قبان، ستتكبد شركات التأمين والإعادة مطالبات سواء من السفينة المتسببة والبضائع المحملة عليها أو من السفن الأخرى العالقة، فخسائر القطاع المباشرة وغير المباشرة ستكون كبيرة وستنتج إما عن أضرار أو تلف البضائع أو بسبب التأخير، والتعويضات الخاصة بالتأخير لا يرجح ان تكون مباشرة على اعتبار معظم الوثائق البحرية (الوثائق التقليدية) لا تغطي التأخير، ناهيك عن تكاليف الإنقاذ التي ستتحملها شركات التأمين.

وأشار قبان إلى أن الآثار التي ستقع على قطاع التأمين البحري العالمي ومنه المحلي ستكون على شكل ارتفاعات سعرية، لافتاً إلى أن أسعار التأمين البحري لا تزال متدنية بالرغم من ارتفاعاتها المتتالية منذ عام 2017 تقريباً.

وتابع: »مسار الإرتفاعات السعرية كان مدفوعاً خلال الفترة السابقة بنتائج المعيدين وتراجع السعة الإكتتابية عالمياً، لكن الآن وبعد الحادثة سيكون هذا المسار أكثر حدة«.

من جانب آخر، أفاد قبان بأن هناك خاسرون ورابحون، فشركات المحاماة على سبيل المثال ستكون من أبرز المستفيدين نظراً لاحتمالية رفع العديد من القضايا بين مختلف الشركات والأطراف المطالبة بالتعويضات والمدافعة عن موقفها والنافية مسؤوليتها عن تحمل الخسارة.

***

فريد لطفي (جمعية الإمارات للتأمين)

من جهته، ألمح الأمين العام لجمعية الإمارات للتأمين فريد لطفي إلى احتمالية تأثر السوق المحلية بالتوجه نحو تعديل أسعار الإعادة العالمية ما سيرفع تكاليف الإعادة وأسعار التأمين البحري على السواء، متوقعاً عدم تجاوز الارتفاعات في أسعار الأخيرة محلياً نسبة 8 إلى 12 في المئة خلال العام الجاري.

***

تجدر الإشارة إلى أن التأمين على سفن الشحن يتم عبر ما يعرف بـ »نوادي الحماية والتعويض« P&I CLUBS، وهي مجمعات للعديد من شركات التأمين التي تتشارك في تحمل المخاطر. والنادي الذي يتحمل تأمين سفينة EVER GIVEN هو النادي البريطاني »يو كيه آند آي« والذي لم ينشر بعد تقديراته للخسارة. وسيغطي الأخير أول عشرة ملايين دولار من خسائر الحماية والتعويض، وما يزيد على ذلك، ستغطيه محفظة أوسع من نوادي الحماية والتعويض بما  يصل إلى 100 مليون دولار، ثم يأتي دور شركات إعادة التأمين بما يصل إلى 2,1 مليار دولار. وتساهم نوادي الحماية والتعويض ضمن جزء إضافي قدره مليار دولار من الغطاء التأميني.

أبرز الدول المتضررة من إغلاق القناة

مصر أولى المتضررين من إغلاق قناة السويس، إذ قدرت خسائرها المباشرة بأكثر من مليار دولار وغير المباشرة بأكثر من ذلك، إذ أن »خسائر السمعة« دفعت دولاً أخرى مثل روسيا وإيران وإسرائيل لطرح مشروعات بديلة للقناة، إذ أعلنت إسرائيل مؤخراً بدء العمل في قناة بن غوريون والمرجح البدء بعمليات التأسيس خلال شهرين والإنتهاء من بنائها بعد خمس سنوات. وستربط القناة بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط لتصبح منافسة لقناة السويس.

وانطلاقاً من  أن الصين أضحت أهم شريك تجاري لأوروبا بعدما احتلت موقع الولايات المتحدة العام الماضي على هذا الصعيد، فإن المانيا في مقدمة الدول الأوروبية المتأثرة والمتضررة من إغلاق القناة، إذ أن 8 إلى 9 في المئة من صادراتها ووارداتها تمر عبر قناة السويس. وطال الضرر بالتالي بشكل خاص العلاقات الإقتصادية الصينية الالمانية، كون ثلثي البضائع المتبادلة بين الطرفين يتم نقلها عن طريق السفن التي تمر عبر هذا الممر.

إضافة الى ذلك، وكون الصين أحد أهم الموردين إلى أسواق بلدان شمال افريقيا وشرق المتوسط، فإن العالم العربي من أبرز المتضررين والخاسر الأكبر إثر إغلاق القناة الى جانب أوروبا وتركيا بطبيعة الحال، فالدول  العربية أحد أكبر الأسواق المستوردة في المنطقة. ودول الخليج على سبيل المثال تصدر شحنات مهمة من النفط والغاز المسال عبر القناة، وأشارت التقديرات إلى أن ما بين مليون إلى مليون ونصف برميل نفط يومياً تُشحن عبرها إلى الأسواق الأوروبية والتركية وأسواق دول أخرى.

مرة جديدة يتأكد الدور الإقتصادي المهم للتأمين وضرورة التفكير ملياً في الأخطار الكبيرة المحتملة وضرورة استباقها والاستعداد لها، أي ضرورة إدارة المخاطر..

أكبر أزمة مرورية للسفن في القناة منذ سنوات طويلة تسببت بخسائر إقتصادية كبيرة وعطّلت التجارة العالمية تاركة عواقب على قطاعات عدة منها الشحن البحري، التأمين والإعادة وغيرها من القطاعات الصناعية التي تأثرت من إغلاق قناة السويس أسبوعاً كاملاً.

ورغم أن هذه الحادثة سلّطت الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد العالمية في مجال الشحن البحري، إلا أن 90 في المئة من شحنات السلع والبضائع تُنقل عبر المحيطات، وبالتالي سيبقى النقل البحري هو الأساس.

وبعد مرور أكثر من 150 عاماً على افتتاح القناة، ثمة طروحات وقرارات لإنشاء قناة بديلة لها بعد أن تضرر العالم إثر جنوح سفينة EVER GIVEN في أهم ممر ملاحي في العالم.. (كما سبق وأشرنا)

انشر تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *