واشنطن تربك السوق العراقية بمعاقبة 14 مصرفاً بعد يوم من سماحها بتحويل مستحقات إيران المالية
مع أن العراق لم يتلق رسمياً قراراً أميركياً بالسماح له بتحويل ديون إيران المستحقة بذمته لمدة 120 يوماً حتى الآن، لكنه لم يصدر نفي عما صرّح به مسؤول أميركي لوكالة «رويترز»، بشأن توقيع وزير الخارجية أنتوني بلينكن قراراً بهذا الشأن.
وفيما بدا أن القرار الأميركي يأتي في سياق استئناف سياسة كانت اتبعتها واشنطن سابقاً طوال الحكومات العراقية السابقة بشأن إيران، فإنه يأتي أيضاً في سياق دعم واشنطن لخطوات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. لكنه، وفي ظل جدل طوال اليومين الماضيين في مختلف الأوساط العراقية بشأن آلية تنفيذ القرار الأميركي بشأن السماح بتحويل ديون إيران في وقت اتبع العراق فيه معادلة جديدة، وهي مبادلة نفطه الأسود بغاز إيران وكهربائها لغرض مواجهة أزمة الصيف الحادة على صعيد النقص الكبير في الطاقة الذي تشهده أشهر الصيف الحارة في العراق يونيو (حزيران)، ويوليو (تموز)، وأغسطس (آب).
لكن المفاجأة التي لم تكن متوقعة للكثيرين هي إعلان واشنطن معاقبة 14 مصرفاً عراقياً، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الدولار، وهو ما يمكن أن يعيق إجراءات الحكومة العراقية في مجال الإصلاح الاقتصادي والسيطرة على السوق. وطبقاً للمعلومات التي يجري تداولها في أسواق صرف العملات في العراق، فإن سعر الدولار وصل إلى 150 ألف دينار عراقي مقابل المائة دولار أميركي، بينما كان قبل القرار 147 ألفاً، في وقت يرى فيه المراقبون أنه قابل للزيادة خلال الأيام المقبلة بسبب تزايد الطلب على الدولار في السوق الموازية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت، الأربعاء، عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً في حملة على تعاملات إيران بالدولار.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين القول إن «الخطوة جاءت بعد الكشف عن معلومات تفيد بأن المصارف المستهدفة متورطة في عمليات غسل أموال ومعاملات احتيالية». وأضافت أن «بعض هذه العمليات ربما تتعلق بأفراد خاضعين للعقوبات، مما يزيد المخاوف من أن إيران ستكون مستفيدة منها».
وقال مسؤول أميركي كبير للصحيفة: «لدينا سبب قوي للشك في أن بعض عمليات غسل الأموال هذه قد تعود بالفائدة، إما لأفراد مشمولين بالعقوبات الأميركية، وإما لأشخاص يمكن أن تشملهم العقوبات». وأضاف أن «الخطر الأساسي للعقوبات في العراق يتعلق بإيران بالتأكيد».
أما المصارف المشمولة فأغلبها يرفع لافتات إسلامية، وهي: «المستشار الإسلامي للاستثمار والتمويل»، و«القرطاس الإسلامي للاستثمار والتمويل»، و«الطيف الإسلامي»، و«إيلاف» و«أربيل للاستثمار والتمويل» و«البنك الإسلامي الدولي» و«عبر العراق» و«الموصل للتنمية والاستثمار» و«الراجح» و«سومر التجاري» و«الثقة الدولي الإسلامي» و«أور الإسلامي» و«العالم الإسلامي للاستثمار والتمويل» و«زين العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل».
في هذا السياق، يقول رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإعفاءات التي منحتها واشنطن لبغداد طبيعية لأنها سبق أن منحت في عهد ترمب منذ عام 2018، واستمرت هذه الإعفاءات في الحكومات السابقة بدءاً من حكومة عادل عبد المهدي وحكومة مصطفى الكاظمي، والآن حكومة محمد شياع السوداني لأن واشنطن تتعامل بشكل مرن مع الدولة العراقية بغض النظر عن كون الحكومة الحالية مشكّلة من قبل خصوم الولايات المتحدة الأميركية». وأضاف الشمري أنه «في مقابل ذلك، فإن عملية فرض عقوبات على المصارف التي فرضت عليها العقوبات لا تستهدف مؤسسات رسمية، وبالتالي علينا هنا أن نميز في هذا السياق»، لافتاً إلى أن «الخزانة الأميركية لا تستهدف مؤسسات رسمية عراقية بقدر ما تستهدف واجهات مالية لأحزاب وجهات وشخصيات مرتبطة بإيران، مثل الحرس الثوري وفيلق القدس، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ولذلك استهدفتها هذه العقوبات، علماً أنها ليست بالجديدة». وأكد أن «المصرف المركزي العراقي على علم بذلك، كما الحكومة العراقية؛ لأنه سبق أن تم تقديم تقارير إلى الحكومة العراقية تشير إلى أن هذه المصارف تقوم بتهريب الدولار إلى ما تسميهم الإدارة الأميركية أعداء».
وأوضح الشمري أن «المؤسسات الرسمية العراقية ملتزمة بسياقات التعامل بشكل طبيعي بالعقوبات الأميركية مثل المصرف المركزي العراقي، وكذلك الحكومة العراقية هي الأخرى ملتزمة بشكل كامل رغم أنها حكومة قريبة من جماعات لها علاقة بإيران لكنها ملتزمة». وبشأن التداعيات التي يمكن أن تحصل خلال الأيام المقبلة، يقول الشمري إن «الأمر سوف تكون له تداعيات في السوق الموازية وهو ما يجعل الحكومة ملزمة باتباع سياسة جديدة في مسألة العقوبات، لكنها سوف تكون ملزمة بذلك».
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي فلاح المشعل، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «أميركا تتصرف بأسلوب البيروقراطية الإدارية، حيث إن قرار معاقبة 14 مصرفاً عراقياً إنما هو قرار يتعلق بإجراءات الخزانة الأميركية، وكذلك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بينما مُنح العراق سماحاً حيال تسديد ديونه المترتبة عليه لإيران، فهذا قرار سياسي لغرض إبقاء العراق تحت العين الأميركية». وأضاف أن «هذا السماح إنما يهدف من جانب آخر إلى قطع الطريق أمام مشروع مقايضة الغاز بالنفط». وأشار المشعل إلى أن «المؤسسات في أميركا سواء أكانت سياسية أم مالية أم قضائية، كل منها يتمتع باستقلالية القرار والمنهج، وفق المصلحة الأميركية».
انشر تعليق