نبيل خوري (رئيس تجمع مستثمري المنطقة الحرة اللوجستية في مرفأ بيروت): المرفأ ينادي الغيارى بإنتظار الحلول الكبرى
إعادة إحياء دوره يحتاج إلى لفتة ومساهمة بسيطة من المستفيدين منه والمحتاجين إليه
أكد رئيس تجمع مستثمري المنطقة الحرة اللوجستية في مرفأ بيروت نبيل خوري ان لا أحد التفت ومد يد المساعدة لتمويل إعادة البناء التي أطلقها التجمع بل أن عمليات إعادة الإعمار تمت بتمويل ذاتي 100 في المئة والدوافع كانت الحس الوطني أولاً والانساني ثانياً، معتقداً »وكأن هناك مؤامرة على المرفأ والدور الذي سوف يؤديه«، رافعاً القبعة تقديراً واحتراماً لإدارتي الجمارك والمرفأ وقيادة الجيش وجهاز أمن المرفأ.
من جانب آخر، طالب خوري بأخذ إجراءات عاجلة لا تحتاج الى تمويل أو ميزانيات ضخمة لتسهيل انسياب البضائع وتقليص فترات تخليصها »بما ان الاقتصاد أولا وأخيرا عماده الاستيراد وتصدير صناعاتنا«، لافتاً الى أنه »بدلاً من التركيز على تهشيم مؤسسات الدولة ومرافقها العامة وضربها، يجب تغيير النمطية والعمل على خلق نوع من الشراكة معها«.
قبل الدخول بالمواضيع الأساسية للمقابلة، السؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا إنتظرتم لما بعد إنفجار المرفأ لإنشاء تجمعكم، أي تجمع الشركات اللوجستية؟
– الواقع أن الفكرة طُرحت من قبلنا وتقدمنا بطلب للحصول على العلم والخبر بشهر تموز 2015، لكن العلم والخبر صدر بتاريخ تشرين الثاني بالعام 2020، بدعم أحد الأصدقاء المؤثرين، بعد إقتناعه بأهمية وجود النشاط اللوجستي وتأثيرة الإيجابي على الإقتصاد الوطني ودور مرفأ بيروت، الأمر الذي دفعه للتدخل لحلحلة بعض العقد التي أخّرت إصدار العلم والخبر. هدفنا بالعام 2015 كان العمل على توسعة النشاط اللوجستي وإنشاء المزيد المناطق الحرة بدءاً من المطار مروراً بمرفأ طرابلس وصولاً إلى الداخل وتحديداً منطقة البقاع، إستعداداً لعملية إعادة إعمار سوريا، لكن العلم والخبر صدر بعد إنفجار المرفأ، في الوقت الذي تقلصت فيه آمالنا وإنحصرت جهودنا وهمومنا بإعادة إعمار ما هدمه الإنفجار ومعالجة تداعياته.
عن بعد نرى أن إعادة إعمار المنطقة الحرة قد إنطلقت، هل يمكنك بما أنك ترأس هذا التجمع إطلاعنا على مشاريعكم وخططكم، وهل أن إعادة الإعمار هذه أتت نتيجة التعويضات التي سددتها شركات التأمين للمتضررين؟
– لا بد من توضيح بعض الأمور الجغرافية المتعلقة بالمنطقة الحرة المقسمة إلى منطقة حرة خصوصية مؤلفة من أبنية إسمنتية من 3 طوابق تضم مستودعات صغيرة بمساحة 200 متر مربع مبنية من قبل شركة المرفأ تشغلها العديد من الشركات الخاصة، وتضم أيضاً مبنى إسمنتي واحد من 3 طوابق، هو مبنى السوق الحرة المخصص لمحلات البيع بالمفرق للسياح والهيئات الدبلوماسية وقوات اليونيفيل، ومساحة خُصصت لنا أُطلق عليها تسمية المنطقة الحرة اللوجستية، قمنا ببناء مستودعاتنا بتمويل كامل من قبل شاغلي هذه المستودعات.
وبالنسبة لتمويل إعادة البناء التي أطلقناها، أود التأكيد، أن لا أحد إلتفت ومد يد المساعدة لنا حتى الساعة، فلا شركات التأمين عوضت ولو بدفعة على الحساب، ولا جمعيات المجتمع المدني ولا أي جهة رسمية قامت بالأدوار المطلوبة منها، وأن كل ما يحصل الآن من عمليات لإعادة إعمار لبعض الوحدات في المنطقة الحرة اللوجستية من قبل بعض الزملاء، والتي سوف تستكمل حتماً من الباقين، تمت بتمويل ذاتي 100 في المئة ومن اللحم الحي، والدوافع كانت الحس الوطني أولاً والإنساني ثانياً، ولإعادة إحياء هذه المنطقة الإستراتيجية على المستوى الإقتصادي والشحن البحري ومركز لبنان التجاري.
هل لك أن تشرح ماهية الدوافع الوطنية والإنسانية التي أشرت إليها؟
– بعد مرور 10 اشهر على الكارثة، في أكبر وأهم مرفأ ومرفق حيوي في لبنان، وبحسب الخبراء أنه كان يؤمن لوحده أكثر من ثلث مداخيل الخزينة، ما زال متروكاً مهملاً، حتى الردميات التي تنبعث منها الروائح الكريهة، والتي أصبحت مسرحاً لكافة أنواح الحشرات ما زالت مكدسة وتشكل منظراً من أبشع ما يمكن أن تراه العين، ألا تدعو هذه التفاصيل للشك؟
ومن هنا بدأ الإعتقاد وكأن هناك مؤامرة على المرفأ والدور الذي كان وسوف يؤديه، أو هناك عجز أو لا مبالاة وما شاكل، لم ولن تؤدي سوى إلى إلغاء دور مرفأ بيروت والدور الذي كان يؤديه أو أقله إضعاف هذا الدور لإبعاده عن المنافسة، هنا وبحسنا الوطني وحرصاً وحفاظاً على هذا الدور، و/أو من منطلق محاربة المؤامرة إذا وجدت، تداولنا وقررنا المغامرة وبمبادرة فردية كما ذكرنا وبتمويل فردي محض (أقله حتى الساعة)، والمباشرة بإعادة الإعمار لرد الحياة إلى جزء حيوي من مرفأ بيروت المتمثل بالمنطقة الحرة اللوجستية، نظراً للدور المهم جداً التي كانت تشكله.
والشق الإنساني دافعه كان تمسكنا بالمحافظة على حوالى أكثر من 350 عائلة كانت وما زالت تعتاش من وراء عملها داخل هذه المنطقة، والتي سوف تصبح بلا مداخيل تمكنها من مواجهة الأوضاع المآساوية التي يعيشها 95 في المئة من المواطنين.
أطلقت صفة المغامرة على قراركم بإعادة الإعمار، ما هي أسباب هذا التوصيف، وبالتالي لماذا المغامرة أو المخاطرة بهذه الظروف؟
– بغض النظر عن الدوافع الوطنية والإنسانية التي سبق وذكرناها، المغامرة تمثلت بقرار المستثمرين التضحية وبصرف حوالى 300 ألف دولار نقداً لكل وحدة، وبعضهم تجاوز هذا المبلغ كونهم يشغلون أكثر من وحدة، وقاموا بإعادة إعمارها بهذه الأوقات وبظل تراجع حجم الأعمال، وبظل تراجع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، مع الإشارة إلى أن أغلب مداخيلنا ما زالت تستوفى بالليرة اللبنانية وبمعدلات تحويل متدنية جداً عن أسعار السوق الموازية، وبالمقابل فإن أغلب ما نستهلكه عدا اليد العاملة نسدد ثمنه بالدولار النقدي.
ماذا عن علاقتكم مع إدارتي الجمارك والمرفأ، وما هي التسهيلات أو التقديمات التي قدمت لكم من قبلهم بظل الأوضاع أو الكارثة كما يحلو لكم تسميتها؟
– سألت عن التقديمات والتسهيلات وهما أمران مختلفان إلى حدٍ كبير، فلناحية التسهيلات والتعاطي بإيجابية لا يمكننا إلا أن نرفع القبعة تقديراً وإحتراماً للإدارتين وبخاصة الموظفين المسؤولين عن متابعة أعمال المنطقة الحرة (دائرة الستودعات ومصلحة المرفأ)، وقيادة الجيش والدور الذي أداه جهاز أمن المرفأ، علماً أن الخراب والدمار طال بالكامل مستودعادتنا ومكاتبنا ومكاتب إدارتي الجمارك والمرفأ وبخاصةً تلك التي كانت موجودة في حرم المنطقة الحرة، أي أننا وصلنا إلى الحضيض تقريباً، لكننا عدنا وإنطلقنا بالتعاون مع الإدارتين من نقطة ما دون الصفر، وأنجزنا عملية مسح الأضرار وإعداد تقاريرها التي تمت بشكل دقيق ومحترف ونحن بإنتظار التعويض من من عليهم تقع مسؤولية التعويض التي طال إنتظارها، واليوم نحن نعمل بشكل روتيني وعادي، بغض النظر عن حجم الأعمال حالياً.
أمّا وبالنسبة للتقديمات، فالأمر معاكس بالكامل، ولا يمكننا أبداً إلقاء اللوم على إدارة الجمارك غير المسؤولة أصلاً سوى عن ضبط الجباية ومراقبة حسن سير الأعمال، بالمقابل فإن تأمين المباني والبنى التحتية (كهرباء، مياه، نظافة المساحات المشتركة، إلخ) كلها قانوناً من مسؤولية إدارة المرفأ، إنما وكما يعلم الكل أنه وبعد صدور موازنة العام 2019، فرض على إدارة المرفأ تحويل مداخيلها إلى مصرف لبنان، وبعد إنفجار المرفأ والأحداث التي رافقته وبخاصة التوقيفات، أدّت إلى شلل شبه كامل على صعيد أخذ القرارات ضمن هذه الإدارة، حيث دفعتنا الأمور نحن كقطاع خاص ومتضرر، وتحديداً شاغلي المنطقة اللوجستية، بالقيام بإعادة توصيل المياه إلى قسم من المنطقة الحرة بمرحلة أولى، ثم نحن من تكفل بتغطية كلفة الشاحنات التي أزالت ونقلت الركام والردميات من حرم المنطقة الحرة، بمساعدة الجيش اللبناني الذي قدمت قيادته آليات الرفع (الجرافات)، ونحن ومنذ حوالى الأسبوع تعاقدنا مع شركتي Ramco & Verde لكنس وجرف الأتربة والرماد المتبقي من جراء الحريق وجرف الأتربة التي ولو بقيت لسببت الكثير من التداعيات السلبية على الصعيد الصحي، والآن نعمل على تصليح إحدى مولدات الكهرباء المتضررة لتزويد المنطقة الحرة بالطاقة الكهربائية، بعد أن بوشر بتطبيق التقنين القاسي عليها لساعات طويلة ضمن الدوام الرسمي، بالوقت الذي نحن بأمس الحاجة لكل دقيقة، خاصةً وأن الأيام تمر وأيلول موعد هطول الأمطار (ولو إحتمالا) ليس ببعيد، إذاً التسهيلات والتفهم متوفران إلى حدٍ بعيد، إنما التقديمات فحتى الساعة فهي غائبة بالكامل.
أمام فظاعة المشهد الذي صورته، كيف تتدبرون أموركم، وما هي حاجتكم أو طلباتكم الملحة للتخفيف من سلبية هذا الواقع؟
– الحاجات كثيرة ومتعددة، لكن المشكلة إدراكنا المسبق بعدم القدرة على تلبيتها أقله حاضراً أو بوقت قريب، فالأزمة السياسية المتمثلة بوجود حكومة مستقيلة، وعدم الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة بعد مرور أشهر عديدة، خلّف أو الأصح فاقم الأزمة الإقتصادية، بحيث طالت تشعباتها مجالات عدة حيوية جداً، كالغذاء والدواء والإستشفاء والمحروقات والكهرباء، والكل يقف متفرجاً وكل فريق يلقي اللوم على الآخرين.
وبما أن الإقتصاد أولاً وأخيراً عماده الإستيراد وتصدير صناعاتنا، وبما أن مرفأ بيروت هو الباب الأمثل لتلبية هذه الحاجات، فالمطلوب كخطوات أولية أخذ إجراءات عاجلة لا تحتاج إلى تمويل أو ميزانيات ضخمة ويمكن تأمينها بسهولة لتسهيل إنسياب البضائع وتقليص فترات تخليصها، لإيصالها بمدد قصيرة إلى الأسواق أو إلى مستودعات المستوردين، ويخفف من الأعباء المادية الناجمة عن تسديد رسوم تأخير المستوعبات التي تستوفى من قبل شركات الملاحة نقداً وبالدولار.
هل بإمكانك إعطاء نماذج عن هذه الأفكار أو الحلول التي أشرت إليها؟
– الأمثلة أو إقتراحات الحلول عديدة وسهلة وبسيطة، إعتمادها وتطبيقها يحتاج فقط إلى الإرادة ومرة جديدة الحس والتكاتف الوطني والإجتماعي.
ما أود التأكيد عليه في هذا الإطار، هو بدلاً من التركيز على تهشيم مؤسسات الدولة ومرافقها العامة وضربها، يجب تغيير النمطية والعمل على خلق نوع من الشراكة معها، أي التشاركية ما بين القطاعين العام والخاص، لتمكين هذه المؤسسات وتقويتها، الأمر الذي سوف يرتد إيجاباً على مصالح الجميع.
وللعلم إن أغلب مراقبي الجمارك (الكشافين) لا مكاتب لديهم، وينجزون أعمالهم في الهواء الطلق تحت الأشجار، وماذا إذا بقيت الأمور كما هي عليه حتى حلول الشتاء؟ هل يعلم المستوردون والمصدرون أن إدارات ومصالح إدارة الجمارك المعنية مباشرةً بتصريف الأعمال المتعلقة بالمرفأ، مشتتة وموزعة ما بين المرفأ والمطار؟ أي أننا نباشر بالمعاملات العادية والبسيطة من مكاتبنا، وبأغلب الأحيان علينا التوجه إلى المطار كون دائرة الإستيراد والتصدير التابعة للمرفأ موجودة بالمطار، ثم وإن كان علينا كشف البضائع أو وزنها على قبان واحد قديم العهد، أو تمريرها على جهاز السكانر الذي لا ندري ما إذا كان يدري ماذا يقرأ، علينا العودة إلى المرفأ، وبعد الإنتهاء علينا التوجه مرة جديدة إلى المطار حاملين الأموال النقدية والشيكات المصرفية لتأدية الرسوم، وهنا الطامة الكبرى وأرجو أن لا أزعج أو أجرح شعور أحد بقولي، أننا في أغلب الأوقات في المرحلة الأخيرة نحن وبعض الموظفين الغيارى من يقوم بتقديم وتأمين أوراق الطباعة والمحابر عند نفاذها في صناديق الدفع، بعدها علينا العودة إلى المرفأ لإخراج الإرسالية، هذا في الأحوال العادية جداً، أما في الحالات التي تستدعى أخذ وإبداء الرأي، فحدِّث ولا حرج.
طالبنا إدارة الجمارك عبر المديرية العامة، بزيادة عديد المناوبين والمدوامين، وطرحنا كحل الإفادة من البيوت الجاهزة الصنع التي وردت كهبة من إحدى الدول الشقيقة، وإستعمالها كمكاتب ولم شمل هذه الإدارات، مباشرة أتانا رد المديرية بالموافقة على هذا الطلب، لكننا تفاجأنا بعد أن علمنا أن هذه المكاتب الجاهزة غير مجهزة بحمامات ولا بمكيفات هواء، ولم يتم حتى ربطها بالطاقة الكهربائية مما يجعلها غير صالحة للإستعمال خاصة بهذه الأيام بسبب الحرارة المرتفعة كونها غير معزولة، إنما الأهم هو عدم وجود المراحيض خاصةً وأن هناك العديد من السيدات من المفترض أن يتواجدن ويمارسن واجباتهن من هذه المكاتب.
المهم أننا حاولنا وطرحنا الصوت معتمدين على الحس الوطني والتكاتف، وطلبنا مساعدة عدة جهات نقابية وتجار وصناعيين، وشرحنا لهم أن حل هذه القضايا يتطلب منهم مساهمات زهيدة مقارنة مع ما سوف يرتد عليهم من منافع، أهمها إختصار مدة تخليص إرسالياتهم وتفادي تراكم رسوم تأخير المستوعبات، التي كما سبق وقلنا أنها تسدد نقداً وبالدولار، لكننا ومع الأسف لم نلق أي رد أو تجاوب حتى الساعة.
أخيراً وبلا شك أن الأوضاع صعبة على الجميع، لكن هناك تفاوت كبير بحجم وتأثير هذه الصعوبات، فموظف القطاع الخاص ومقدمي الخدمات خسروا الكثير وأصبح ما يتقاضونه حالياً يمثل عشر ما كان يصلهم قبل الأزمة، وموظف القطاع العام أيضاً خسر، إنما خسارته لا تقارن مع موظفي القطاع الخاص، بسبب التقديمات مهما كان حجمها، بالإضافة إلى أنهم حتى الساعة ما زال القسم الأكبر منهم يداوم نصف دوام، على عكس القطاع الخاص الملزم بالتواجد 24/24.
يبقى التجار والصناعيين هم الأقل تضرراً وعليهم تقع مسؤولية المساهمة والمساعدة بالوقت الحاضر، لما في ذلك من مصلحة مباشرة لهم، لأن تقاعسهم وتقاعس كل قادر بالوقت الراهن سوف يرتد سلباً على الجميع، فعلى أمل التجاوب لأنه وكما يقال في الإتحاد والتعاضد قوة.
كلمة أخيرة؟
– أود من كل قلبي أن لا أكون قد جرحت أو أسأت إلى أحد، وآمل أن تؤخذ ردودي بإيجابية، وأن أكون قد نقلتها كما أردتها أن تكون، والشكر الكبير والأخير لكم ولرحابة صدركم وقبولكم نشر هذه الردود المفصلة والطويلة ربما بعض الشيء، وعلى أمل تجاوب القادرين، وإلى اللقاء بلقاءات أكثر إيجابية إن شاء الله.
انشر تعليق