الحرب الروسية الأوكرانية تُقلق العالم وتضع أزمة الأمن الغذائي في الواجهة
صادرات أوكرانيا تتوزع على آسيا 49% وأوروبا 30% وإفريقيا 13%
المنطقة العربية تستورد 25% من صادرات القمح والزيت في العالم
ما كاد الاقتصاد العالمي يبدأ مسيرة التعافي ونسب التضخم تتجه نحو الانخفاض جراء جائحة »كورونا«، حتى جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا لتزرع القلق والخوف في النفوس، وتسبّب ارتفاعاً ملحوظاً بأسعار الحبوب والطاقة عالمياً، وبدأت تلوح في الأفق أزمة الأمن الغذائي، ولا سيّما في المنطقة العربية التي تستورد 25% من صادرات القمح والزيت في العالم.
تتوزّع الصادرات الأوكرانيةعلى دول العالم المختلفة وتشكل حصة الدول منها: دول آسيا 49% وأوروبا 30% وإفريقيا 13%.
وبناء عليه، عدة أسئلة تطرح حول ماهية التداعيات الاقتصادية من الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية؟ ومدى تأثير ارتفاع أسعار القمح والسكر والزيوت على حياة الفقراء في المنطقة؟ وما هو حجم استيراد هذه المواد من أوكرانيا وروسيا؟ إضافة إلى المزيد من الأسئلة حملتها مجلة »البيان الاقتصادية« إلى عدد من الخبراء الاقتصاديين في العالم العربي وجاءت الأجوبة على الشكل الآتي:
الدكتور رعد التلّ: إرتفاع أسعار السلع الأولية سيعمّق الضغوطات المعيشية للمواطن العربي في ظل مداخيل متدنّية ومستويات تضخم عالية
الدكتور رعد محمود التلّ (أستاذ الاقتصاد الكلي – قسم الاقتصاد – الجامعة الأردنية)، أوضح أنّ »للحرب الروسية ضد أوكرانيا تداعيات اقتصادية مهمة على الاقتصاد العالمي بصورة عامة، يتضح ذلك من خلال الارتفاعات غير المسبوقة لأسعار الطاقة منذ نحو 13 عاماً، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأولية وأهمها القمح«. كل ذلك سيفاقم من نسبة التضخم التي كان العالم قد بدأ بالتعافي منها جراء جائحة »كورونا«، والتي أحدثت الاختلالات في الطلب الكلي والعرض الكلي العالمي جراء انقطاعات سلاسل التوريد والامدادات.
23 مليار دولار صادرات أوكرانيا الزراعية
الضغوط التضخمية هذه ستزيد من أثرها على العالم بأسره وخصوصًا على الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، والتي يشكل الغذاء والطاقة النسبة الأكبر من إنفاق أسرها الفقيرة. وبالتالي استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وإغلاق الموانىء البحرية والمطارات وتوقف حركة الصادرات، سيكون لها آثاراً إقتصادية كارثية على صعيد النشاط الاقتصادي والإنتاجية في العالم، مع الارتفاع المستمر بمستويات الأسعار، حيث تحتل أوكرانيا المركز السادس عالميًا بين أبرز الدول المصدرة للقمح والذرة، بالاضافة الى المحاصيل الزراعية الآخرى (يمثل الانتاج الزراعي ما يقارب 45% من اجمالي صادرات أوكرانيا، بما يعادل 23 مليار دولار) كالخضروات والمحاصيل الزيتية (بذور وزيوت دوار الشمس والذرة)، بالإضافة الى حجم صادراتها المرتفع من اللحوم والدواجن والأسماك والعسل. تتوزع هذه الصادرات على دول العالم المختلفة، فتشكل حصة الدول الأوروبية منها 30%، ودول آسيا 49% وإفريقيا 13%.
وأضاف د. التلّ: »من المتوقع أن تكون لأسعار الطاقة (النفط والغاز) تأثيرات كبيرة على التصخم العالمي عمومًا والمنطقة العربية خصوصًا، بحيث أنّ الغاز الروسي يشكلّ نصف واردات الغاز في أوروبا، وهذا ما يظهر بوضوح من خلال الارتفاع الكبير الذي حدث بأسعار الغاز الطبييعي على المستوى العالمي. فخلال هذه الفترة ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا ما يقارب 25% وهي مستويات قياسية غير مسبوقة، الأمر الذي سيعكس ارتفاعات أخرى كبيرة على أكلاف الإنتاج، وبالتالي على أسعار السلع والبضائع في العالم.
تكمن المشكلة الأساسية في قدرة الاقتصاد العالمي، وأوروبا تحديداً، على إيجاد بدائل للغاز الروسي في المدى القصير، وإذا وجدت هذه البدائل كالغاز القطري أو الجزائري مثلاً، يبقى سؤال الكلف الباهظة.
ومع إستمرار وتيرة الحرب دون التوصل إلى حل واضح، ثمّة سيناريوهات تتحدث عن استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام لأسعار تقارب 200 دولار للبرميل الواحد وربما أكثر على المدى البعيد، ممّا يسبّب إرتفاعًا في تكاليف الانتاج وزيادة الضغوطات على النشاط الاقتصادي العالمي وبالذات على مبيعات الشركات العالمية، وبالتالي على المستهلك النهائي«.
حجم التبادل التجاري العربي الروسي 21 مليار دولار
واعتبر د. التلّ أنّ ارتفاع أسعار القمح والسكر والزيوت سترخي بظلالها على المنطقة العربية، فحجم التبادل التجاري بين الدول العربية وروسيا يقدر بحوالي 21 مليار دولار، وتبرز سلعتي القمح والحديد المستخدم في تسليح البناء كأبرز سلعتين تستوردهما الدول العربية من روسيا وأوكرانيا أيضاً. بالنسبة لتأثير الزيادة بأسعار النفط على الدول العربية المنتجة للنفط فإن هذه الزيادة ستنعكس ايجاباً عليها، فحصّة الدول العربية من الصادرات النفطية على مستوى العالم تبلغ 24%.
ومن ناحية أخرى، فمع زيادة أسعار النفط ستتأثر الدول العربية غير المنتجة للنفط بزيادة الضغوطات على موازناتها، من خلال زيادة العجز المتوقع بتلك الموازنات، وبالتالي زيادة الاقتراض الخارجي وزيادة مديونياتها، كما من المتوقع أن تشهد أرصدة احتياطيات النقد الأجنبي إنخفاضات ملموسة. وبالمقابل، ستشهد الدول العربية المصدرة والمنتجة للنفط، ارتفاعاً بمعدلات التضخم، الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج عالمياً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. ولأن معظم تلك الدول النفطية تعتمد في تأمين احتياجاتها على السلع والخدمات المستوردة، فيتوقع أن تدفع جزءاً ليس بقليل ممّا حصلت عليه جراء ارتفاع النفط على تلك السلع التي تمّ استيرادها، والتي زاد سعرها عالمياً.
بالنسبة للقمح والذي يعتبر المكون الأساسي في الغذاء العربي، سيتعرض لهزّة قوية من جراء الحرب الروسية الأوكرانية. فروسيا هي المصدّر الأول للقمح في العالم بنسبة تقارب 19%، أما أوكرانيا فتعد خامس مصدر للقمح في العالم بنسبة 7%، ذلك يعني أن ربع قمح العالم ينتجه هذين البلدين، وتستورد الدول العربية ما نسبته 25% من صادرات القمح في العالم، وتعدّ مصر أكبر مستورد للقمح بالعالم وهي تستورد ما يقارب 55% من حاجتها من القمح من روسيا، وتستورد 15% من أوكرانيا.
وختم د. التلّ بالقول: »إنّ تداعيات هذه الحرب إذا ما استمرت، ستنعكس سلبًا على مستويات معيشة المواطنين في الدول العربية«.
الدكتور لويس حبيقة: النزوح السكاني يشكل تكلفة إنسانية ومادية كبيرة
بدوره أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أنّ الرئيس بوتين فاجأ العالم بالهجوم على أوكرانيا، وسوف يكون له تأثيرات اقتصادية يمكن ايجازها بثلاث نقاط رئيسية:
أولاً: سيكون لارتفاع أسعار الطاقة أي النفط والغاز، تأثيراته الواضحة والكبيرة على التضخم العالمي ومعيشة الفقراء. ولكن ثمّة جانب ايجابي من هذا الارتفاع، وهو التشجيع المتزايد لاستعمال الطاقات البديلة مراعاة للتحدّيات البيئية. أما من ناحية الدول المصدّرة للطاقة، سترتفع إيراداتها، لكن ربما قليلاً، لأن الطلب لن يكون كبيراً نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية.
ثانياً: أسعار القمح مهمة جداً لمعيشة الفقراء، وحجم روسيا وأوكرانيا في تجارة القمح كبير. وإزاء هذا الواقع سوف تعوّض الدول عن النقص في الإنتاج والصادرات، مع ضرورة التنويع المستقبلي للمصادر.
ثالثاً: تأثيرات النزوح السكاني الهائل سوف تكون مكلفة، وخصوصاً أننا نعرفه جيداً في منطقتنا وما زلنا نعاني من نتائجه. تظهر مشكلة النزوح في البداية على أنها مؤقتة، أي يعود بعدها النازحون الى دولهم ومنازلهم لكن هذا غير مؤكد، لأنهم قد يخسرون منازلهم وأعمالهم، وبالتالي تصبح العودة أصعب بكثير. وإزاء هذا الواقع، من الضروري الاهتمام بالدول التي تستضيف العائلات النازحة والتعويض عليها، كي تستطيع القيام بواجباتها، لأنّ النزوح السكاني يشكل تكلفة انسانية ومادية كبيرة.
واعتبر د. حبيقة أخيراً، أنه من الطبيعي أن نكون قلقين تجاه واقع دول قوية تحتل دول صغيرة أو ضعيفة، وهذا تصرف خطير يمكن أن يُمارس في كل القارات. لذا الحلول الدولية مطلوبة لمنع التكرار، ولمنع أزمات أمنية وإنسانية تصيب العالم بأسره.
الدكتور زياد الشخانبة: علّ سدّ الحاجة الزراعية في الدول العربية تكون سبباً لاستكمال المشروعات الزراعية الحديثة
أما الدكتور زياد الشخانبة (كاتب صحفي ودكتور الإعلام في جامعة البترا الأردنية)، اعتبر أنّ أكثر مَن يقيس التأثيرات الاقتصادية للحرب الروسية بشكلٍ دقيق هو صندوق النقد الدولي، الذي أكدّ بأنّ الحرب على أوكرانيا تسبب ارتفاعًا في أسعار الطاقة والحبوب عالميًا، وأنّ العواقب الاقتصادية للحرب والعقوبات المرتبطة بها سيكون لها تأثيرات خطيرة على الاقتصاد العالمي بسبب الإرتباك في أسواق النفط والغاز والمواد الغذائية، ممّا يسهم في زيادة التضخم الذي تعاني منه بالأصل دول العالم، بسبب جائحة »كورونا«.
كما أن الحرب ستؤدي إلى إتساع شريحة الفقر في مجتمعات دول العالم الثالث، وخصوصاً أنّ الأُسر في هذه الدول ستعاني كثيراً من ارتفاع الغذاء والوقود.
وأضاف د. الشخانبة إنّ التوقعات حول تأثير ارتفاع أسعار الطاقة في المنطقة العربية يختلف من دولة عربية إلى أخرى. من الطبيعي أن تستفيد الدول العربية المصدرة للنفط والغاز من ارتفاع الأسعار، لأن حصتها من الصادرات النفطية على مستوى العالم تبلغ 24%، في حين ستعاني الدول العربية الأخرى التي تستورد النفط، لأن ارتفاع الأسعار سيؤثر على موازناتها المالية. كما أن التأثيرات ستطال سلعة الحديد التي تستوردها بعض الدول العربية من روسيا، حيث سيرتفع ثمنها وسيطال الارتفاع أسعار العقارات والإنشاءات. وستتأثر بعض الدول وخصوصًا العربية منها من النقص في سلعة القمح، لأنها تعتمد على استيراده من أوكرانيا كما ستتأثر الدول العربية ومنها الأردن ومصر بسبب التوقف المتوقع لصادراتها من الفاكهة إلى روسيا.
واعتبر د. الشخانبة أخيراً أنّ الدول العربية لن تعاني من مشكلة النزوح السكاني، وذلك بسبب بُعد جغرافيا الصراع عن الوطن العربي، وانحصار النزوح نحو بعض دول أوروبا الشرقية والغربية. كما أنّ ارتفاع أسعار بعض السلع ونقصانها، سيزيدان من الشعور بأهمية الأمن الغذائي لدى بعض الدول العربية، التي ستسعى إلى زيادة الإنتاج الزراعي لسدّ الحاجة المحلية، وهذا يأتي استكمالاً للمشروعات الزراعية الحديثة التي بدأت في بعض الدول العربية بعد جائحة »كورونا«، ونقصان بعض السلع بسبب الحظر وتوقّف الإستيراد.
الدكتور فاضل البدراني: توقّعت الدراسات الاقتصادية أنّ الاقتصاد العالمي سوف يمرّ بمخاطر جمّة خلال عامي 2022 و2023 نتيجة هذه الحرب
الــــــــدكتـــــــور فاضـــل البدرانـــي (أستاذ الإعلام السياسي في الجامعة العراقية)، لفت بدوره إلى أنّ تأثير الحرب الروسية على أوكرانيا قد يكون مباشراً، نظراً للعولمة وتداخل منظومة الدول المتكاملة فيما بينها، نتيجة الشراكات الاقتصادية والسياسية وحتى الإعلامية، وأي خلل يصيب طرفاً من هذه المنظومة يصيب الطرف الآخر. وبالتالي إن التأثير الاقتصادي على الدول العربية سوف يطال أمنها الغذائي.
وأكد د. البدراني أنّه ثمّة تأثير سياسي حول قضية الغاز، لأن أوروبا وأميركا تضغطان على بعض الدول العربية مثل قطر والجزائر ومصر لتزويد الدول الغربية بالغاز الروسي، ولكن الدول العربية لم تعطِ جوابها لغاية اليوم متخذة موقف الحياد، لأنه ثمّة موازين قوى، ومن غير المعلوم لغاية اليوم نتيجة الحرب.
وفي المقابل لفت إلى أنّ العالم بأسره سوف يتأثر من هذه الحرب، على الرغم من أنّ بعض الدول لا تستورد من أوكرانيا وروسيا، وذلك نتيجة الضغط العالمي على المواد المذكورة وارتفاع أسعارها عالميًا.
وختم بالقول إنّ التحدّيات كبيرة جداً، ومعظم الدراسات الاقتصادية توقّعت أنّ الاقتصاد العالمي سوف يمرّ بمخاطر جمّة خلال عامي 2022 و2023 نتيجة هذه الحرب، ولا سيّما دخول أوروبا وأميركا فيها بطريقة غير مباشرة.
انشر تعليق