دبي
14 Apr, Monday
35°C

ما حجم فقاعة سوق الأسهم الأمريكية؟

أدى الارتفاع الهائل في الأسهم الأمريكية عقب الأزمة المالية العالمية إلى سيطرتها على نحو ثلثي السوق القابلة للاستثمار عالمياً، وهو ما يثير مخاوف في شأن ما إذا كانت هذه الهيمنة تعرّض محافظ المستثمرين لأخطار كبيرة.

وتصدرت «وول ستريت» الأسواق العالمية في العقد ونصف العقد الماضيين، مدفوعةً بشكل رئيس بمكاسب قطاع التكنولوجيا، خاصةً شركات الذكاء الاصطناعي التي تقارب قيمتها قيمة الأسهم الأوروبية مجتمعة، لكن التراجع الأخير لأسهم التكنولوجيا سلط الضوء على تنامي التوتر في شأن ارتفاع التقييمات في سوق ابتلعت حصة من مخصصات المستثمرين العالميين أكبر من أي وقت مضى.

ويقول بول مارش، أستاذ التمويل في كلية لندن للأعمال والذي قضى الـ25 عاماً الماضية في تتبع عوائد الاستثمار على المدى الطويل: «إذا كنت تمتلك صندوقاً استثمارياً عالمياً فإن ثلثيه سيكونان بحكم التعريف في الولايات المتحدة، وغالبية استثماراته في وادي السيليكون تحديداً». وتابع: «يعني هذا أنك شديد التعرض لهذا الرهان الكبير على الذكاء الاصطناعي».

وساعدت العوائد المستمرة سوق الأسهم الأمريكية على تضخم حجمها منذ سنة 2010، مع ارتفاع حصة أمريكا من القيمة السوقية العالمية للتداول الحر من نحو 40% عقب الأزمة المالية العالمية لأكثر من 64% بحلول سنة 2025. وحافظت الولايات المتحدة على لقب أكبر سوق أسهم على مستوى العالم في غالبية القرن المنصرم. وكانت قد نجحت في تجاوز المملكة المتحدة بحلول أوائل القرن العشرين بعدما كانت السوق البريطانية المهيمنة في القرن التاسع عشر.

ويشير الكتاب السنوي لعوائد الاستثمار العالمية الذي تصدره «يو بي سي»، إلى تشكيل الولايات المتحدة أكثر من 70% من السوق العالمية القابلة للاستثمار في ذروتها التي بلغتها في ستينيات القرن الماضي.

وكانت هذه الذروة مدفوعة بالطفرة التي شهدها الاقتصاد الأمريكي عقب الحرب. كما يعود ذلك إلى التراجع النسبي للمنافسة، بما أن غالبية «الأسواق الناشئة» في يومنا الحالي لم تتمكن بعد من تطوير أسواق أسهم كبيرة.

وعلى الرغم من ذلك، فقد تأثرت الولايات المتحدة على وجه الخصوص بالانهيار العالمي بين سنتي 1973 و1974. ولم تتمكن الأسهم في وول ستريت من معاودة الارتفاع إلى القمة التي بلغتها في نهاية ستينيات القرن الماضي لأكثر من عشرين عاماً، بحسب إي فيليب دافيس، أستاذ الصيرفة والتمويل لدى جامعة برونيل.

وسمح هذا الانخفاض ببروز زعيم عالمي جديد، وإن دام ذلك فترة وجيزة. فقد أصبحت اليابان حينذاك الدولة الوحيدة في القرن الماضي التي تمكنت من تخطي الولايات المتحدة باحتسابها أكبر سوق للأسهم عالمياً. وجاء هذا التغير في خضم أواخر فقاعة أسعار الأصول اليابانية المسجلة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولكنها انفجرت بعد ذلك.

وتسببت نهاية هذه الحمى المضاربية في شكوك عميقة لدى المستثمرين الأجانب والمحليين في شأن أسواق الأسهم في اليابان، وظل اقتصادها راكداً طيلة عقود. ولم يتمكن مؤشر «نيكاي 225» القياسي من اختراق القمة المسجلة في ذروة حقبة الفقاعة إلا في العام الماضي.

وذكر ريتشارد سيلا، الأستاذ الفخري للاقتصاد في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك: «تنحرف الأوضاع المالية عن مسارها بين الحين والآخر، مثلما حدث في اليابان. ويصبح الناس مفرطي الحماس في هذه الحالة، ويشعر الجميع بأنهم أثرياء، ولكن يتبدى في النهاية أن ذلك لم يكن سوى صرح بني على رمال متحركة».

ويشعر بعض المستثمرين بالقلق بسبب المقارنات بين سوق الأسهم التي نشهدها في يومنا الحاضر وهذه الانهيارات التاريخية. وقال دانكان لامونت، رئيس البحوث الاستراتيجية لدى شركة شرودرز البريطانية لإدارة الصناديق: «أبرز الأسئلة التي تطرح علي ما الذي يجب فعله في ما يتعلق بسوق الأسهم الأمريكية. لقد طرح هذا السؤال تقريباً في كل محادثة أجريتها هذا العام».

وعلى الرغم من ذلك، فقد لفت لامونت إلى أن «الاستمرار المذهل» لأداء سوق الأسهم الأمريكية منذ سنة 2008 يصعب التصدي للموجة، لأن «المشككين ثبت أنهم كانوا على خطأ مرات عدة».

وحقق مؤشر «إس آند بي 500» متوسط عوائد سنوية يبلغ نحو 14% منذ سنة 2010، متخطياً كل المؤشرات القياسية الكبرى الأخرى. وعزز هذا الأداء مكاسب تزيد على 20% في سنتي 2023 و2024، بما أن الحماس في شأن الذكاء الاصطناعي دفع أسهم التكنولوجيا الكبيرة في الولايات المتحدة، مثل «إنفيديا» المصنعة للرقائق، إلى مستويات قياسية.

ولكن بداية سنة 2025 جاءت بموجة نادرة من الأداء الضعيف في وول ستريت، مع تعافي الأسواق الأوروبية الأقل تفضيلاً نسبياً. وتعد الهيمنة الأمريكية نتيجة لاختيار الشركات الأجنبية، وخاصة في قطاع التكنولوجيا، إدراج أسهمها في نيويورك؛ سعياً إلى تقييمات أعلى.

ودفع بعض المستثمرين بحجة أن هذا الاتجاه أتى بكثير من أفضل الشركات على مستوى العالم إلى الولايات المتحدة، وأنه يجعل السوق أكثر مرونة في مواجهة التباطؤ الاقتصادي. ويقول جاك أبلين، كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة كريسيت كابيتال للاستثمارات الخاصة: «يمكنني تكوين محفظة استثمارية عالمية بالاعتماد فقط على الأسواق الأمريكية».

ولكن بالنسبة لآخرين، فإن ما يثير الكثير من القلق للأعصاب، لا يتعلق بالدور المفرط الذي تؤديه السوق الأمريكية، وإنما بتركزها في حفنة صغيرة من الأسهم. وعلى وجه الخصوص، لفت مشككون إلى المكاسب الهائلة التي حققها كثير من عمالقة وادي السيليكون، ما يعتقد تورستن سلوك، كبير خبراء الاقتصاد لدى مجموعة أبوللو لرأس المال الخاص، بأنها أصبحت «مبالغاً في تقييمها بصورة هزلية».

وتتمتع مجموعة السبع الرائعة، وهي أسهم عمالقة التكنولوجيا، «أبل» و«ألفابيت» و«أمازون» و«ميتا» و«مايكروسوفت» و«إنفيديا» و«تسلا»، بقرابة ثلث القيمة السوقية لمؤشر «إس آند بي» البالغة 51.8 تريليون دولار. ويأتي هذا مقابل اقتراب مكرر ربح المؤشر المعدل دورياً، وهو مقياس للتقييم، من أعلى مستوياته منذ أوائل القرن الجاري. وقال تورستن سلوك: «تأتي هذه الفترات التي تبدأ فيها الفقاعات بالتشكل. واليوم، نحن في فقاعة بالولايات المتحدة، وفقاعة في عالم التكنولوجيا».

ويرى مستثمرون متفائلون، أن النمو القوي لأرباح كبرى شركات التكنولوجيا وإمكانات الذكاء الاصطناعي في تحفيز الإنتاج من العوامل التي تبرر التقييمات الهائلة لكثير من أكبر الشركات العالمية. أما المتشائمون، فيعقدون مقارنات بين سوق اليوم وفقاعة «دوت كوم» التي انفجرت في بداية الألفية الجديدة.

وهزت الشكوك ثقة المستثمرين في يناير الماضي، حينما كشفت ديب سيك الصينية عن إحراز تقدم كبير على صعيد الذكاء الاصطناعي، وهو ما حققته بوساطة قوة حاسوبية أقل كثيراً مقارنة بشركات التكنولوجيا الأمريكية، ما ألقى بظلال من الشك على الحاجة إلى النفقات الرأسمالية الهائلة التي تضخها «السبع الرائعة».

وألمت الاضطرابات من جديد بقطاع التكنولوجيا هذا الشهر، ما دفع بسوق الأسهم الأمريكية إلى التراجع طفيفاً عن أعلى مستوياتها على الإطلاق. وليست هذه المرة الأولى التي يهيمن فيها قطاع منفرد على وول ستريت. ففي القرن التاسع عشر، أدى نهم شركات السكك الحديدية للاستثمارات دوراً محورياً في التطور المبدئي لسوق الأسهم الأمريكية.

وشكلت هذه الشركات، بحلول القرن العشرين أكثر من 60% من القيمة السوقية للأسهم الأمريكية.
وقال سيلا من كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك: «يعد الذكاء الاصطناعي الموجة المعرفة للمستقبل في الوقت الراهن، مثلما شكلت شركات السكك الحديدية موجة المستقبل قبل 100 عام. ثم شهدنا الموجة التي أقبل فيها الجميع على شراء أسهم شركات الطاقة الكهربائية».

ولكن الأفول النسبي لنجم صناعة مهيمنة ليس سلبياً دائماً للمستثمرين. فقد ذهب بحث أجراه مارش، أستاذ التمويل لدى كلية لندن للأعمال في سنة 2015، إلى أن المستثمر الذي كانت لديه أسهم في شركات السكك الحديدية منذ القرن العشرين كان يتمتع بأداء متفوق مقارنة بسوق الأسهم الأمريكية الأوسع.

ويأتي هذا على الرغم من حقيقة مفادها أن الحصة الإجمالية لشركات السكك الحديدية انخفضت مع انضمام مجموعة كبيرة من الصناعات الأخرى.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هيمنة قطاع التكنولوجيا اليوم على السوق، وكذلك الهيمنة الأمريكية، تسببتا في شعور الكثير من المستثمرين بالقلق من أن حتى المحفظة الاستثمارية التي تتبع مجموعة كبيرة من الأسهم العالمية تجعلهم كأنهم وضعوا الكثير من البيض في سلة واحدة.

وأضاف سلوك: «الشاهد أنه يتعين علي تنويع استثماراتي عند الوضع في الاحتساب أساسيات التمويل». وأسهب: «ينظر الناس إلى حيازاتهم، ويطرحون سؤالاً جوهرياً للغاية، مفاده: هل تتسم استثماراتي بالتنوع؟ وتتمثل الإجابة اليوم عن هذا السؤال في لا واضحة وصريحة».

انشر تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *