بين مخاطر »كورونا« وتراجع أسعار النفط إقتصادات دول الخليج لا تزال الأفضل في المنطقة
نايل الجوابرة: ضرورة استمرارها بسياسات التحفيز المالي حفاظا على الدورة الاقتصادية
***
نور الشمالي: مستقبل واعد للاقتصادات الخليجية في المساهمة بإعادة إعمار المنطقة
تعتمد الموازنات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي على أسعار أعلى من السعر الحالي لبرميل النفط (والذي يراوح بين 42 و46 دولارا)، فإقرار ميزانيات هذه الدول جاء على أساس 55 إلى 70 دولاراً للبرميل، وبالتالي يعتبر تفشي فيروس »كورونا« المستجد وهبوط أسعار النفط ضربة مزدوجة لا تترك لحكومات دول الخليج العربية خيارا يُذكر لتحقيق الاستقرار لموازناتها المالية، في الوقت الذي تحاول فيه حماية اقتصادها من المخاطر، والدفاع عن مستويات ربط عملاتها، خاصة في ظل الاعتماد على سعر مرتفع لبرميل النفط في الموازنات الحكومية، مقارنة بالتدهور الحالي لأسعار النفط في ظل تداعيات الفيروس عالمياً، مع توقعات صندوق النقد الدولي أن ينكمش نمو الاقتصاد في منطقة الخليج بنسبة 7,1 في المئة خلال عام 2020.
في المقابل وعلى غرار الدول الأخرى، تمحورت أولى أولويات دول الخليج حول إدارة الآثار المباشرة لجائحة فيروس »كورونا« العالمية على الصحّة العامة والاقتصاد. وقد أتت استجابتها على قدر التحدّي، حيث اعتمدت إجراءات صارمةً للفحص والتعقّب والحجر وأغلقت الأعمال غير الأساسية وقيّدت السفر وقدّمت العناية اللازمة للمصابين. وقد أعلنت كذلك عن حزم تحفيز اقتصادية بقيمة 97 مليار دولار، وبالرغم من بروز بعض الفجوات في الدعم الذي قدّمته دول مجلس التعاون الخليجي للعمال الوافدين، برهنت بالإجمال على أنّها تتحلّى بقدرة مؤسساتية عالية للتعامل مع تحديات الجائحة القصيرة الأمد.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي الاماراتي نايل الجوابرة في حديث لـ »البيان الإقتصادية«: »ان هذه الدول تتمتع بوسائل حماية مالية كبيرة، كفيلة بتحملها ضعف أسعار النفط لفترة طويلة وهذه ليست المرة الأولى بدليل ما حصل في فترة إنخفاض أسعار النفط وقلة الطلب عليه (2014-2016)، إتخذت دول الخليج إستراتيجيات لسد عجز الموازنة وهو السحب من الاحتياطيات العامة واحتياطيات النقد الأجنبي«، لافتا إلى أنه »كان يمثل الرافد الأكبر في سد العجز خلال تلك الفترة، مستبعدا الركون إلى السحب من الودائع الحكومية من القطاع المصرفي«، عازيا ذلك إلى »التخوف من قلة السيولة لدى أكبر قطاع حيوي في دول الخليج«.
عجز كبير في الميزانيات
وكانت وكالة ستاندرد أند بورز توقعت في شهر يوليو الفائت أن تراكم دول الخليج الغنية بالطاقة عجزا بقيمة 490 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة، بسبب انخفاض أسعار النفط وتأثير فيروس »كورونا« المستجد، وأن يبلغ العجز في موازنات هذه الدول نحو 180 مليار دولار هذا العام فقط، يقابله إرتفاع إجمالي الدين الحكومي لهذه الدول إلى حجم قياسي، بنحو 100 مليار دولار في عام 2020 وحده.
تصنيف إئتماني مرتفع
بدورها تلاحظ الاكاديمية الكويتية المتخصصة بشؤون النفط في جامعة »ردينغ« في بريطانيا نور الشمالي في حديث لـ »البيان الإقتصادية« بأن دول الخليج لم تعانِ من هذه الجائحة، مقارنة بالكثير من دول العالم التي راكمت على إقتصاداتها أعباء إضافية، فعلى سبيل المثال الكويت لديها صندوق أجيال ضخم جدا وكذلك بقية الدول الخليجية لديها ايداعات كبيرة في البنوك الاجنبية، مذكرة بالتصنيف الائتماني المرتفع لدول الخليج، ما يعني أن في حال توجهت هذه الدول الى الاسواق الدولية بهدف الإستدانة أو إذا إستدانت من المستثمر المحلي، فبإمكانها ذلك وبفوائد منخفضة جداً.
ويبرز في هذا المجال ما نشرته مجلة »غلوبال فاينينس« البريطانية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية والمالية العالمية في تقريرها الصادر في 30 تموز الماضي بأن »سندات دول الخليج، وخصوصا السندات الإماراتية، قادرة على استقطاب المستثمرين الدوليين بصورة كثيفة«، متوقعة إرتفاع القيمة الإجمالية لإصدارات السندات السيادية الخليجية بنهاية العام إلى 67 مليار دولار، بالمقارنة مع 52,9 مليارا في 2019.
هذا الواقع تزامن مع توجه بعض دول الخليج لحماية العجز بإصدار الديون السيادية محلياً وعالمياً، مع إحتمال تسريع فرض ضريبة القيمة المضافة، أو الضريبة الإنتقائية في الدول التي لم تفرض الضرائب حتى الآن، أو فرض ضرائب جديدة، أو زيادة نسبة الضرائب من قبل دول مجلس التعاون وبشكل مختلف في ما بينها.
إجراءات إحترازية مطلوبة
ولا تتوقف الإجراءات الإحترازية هنا، ويرى الجوابرة أنه من الضروري بالنسبة لدول الخليج إبقاء الإجراءات الاحترازية لفيروس »كورونا« في أعلى سلم أولوياتها، »وذلك نظراً لإستمرار الجائحة، وضرورة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق والسير بالإصلاحات ودعم القطاع الخاص بشكل أكبر، بالإضافة إلى الإستمرار بسياسات التحفيز المالي واطلاق حزم نقدية داعمة ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على الدورة الاقتصادية«، وفق تعبيره.
وبالنظر إلى هذه التداعيات وبالرغم من تراجع أسعار النفط وجميع قطاعاته، يؤكد الجوابرة وجوب إتجاه دول الخليج الى تحديد القطاعات الاكثر تضرراً والتسريع بدعمها، وهذا ما سيساهم بخفض أرقام الانكماش للربع الثالث والرابع لهذا العام، لافتا إلى أن ذلك يجب أن يحصل بالتزامن مع إتخاذ دول المجلس إجراءات تحوطية ووضع آليات لضبط العجز في الموازنة لهذا العام، وهذا ما يجعل آفاق النمو في القطاع الخاص وتنافسيته يدخل ضمن الإقتصاد الكلي.
وتعد المملكة العربية السعودية أولى دول المجلس التي اتخذت إجراءات تقشفية لمواجهة الأزمة الناجمة عن »كورونا«، فقررت إلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من المبادرات والمشاريع التي كانت مدرجة ضمن العام المالي الحالي، وأعلنت في 11 أيار /مايو الماضي على لسان وزير المالية محمد الجدعان وقف بدل غلاء المعيشة ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المئة، مرجحاً أن تقترض المملكة هذا العام 220 مليار ريال (58,6 مليار دولار).
مستقبل واعد لإقتصادات الخليج
وتؤكد نور الشمالي: »بالنسبة للمستقبل لا تزال إقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بأفضلية على كل اقتصادات المنطقة، وفي حال حصول تسوية في المنطقة أو مشروع سلام ستكون مرشحة لورشة ضخمة جداً، فالرساميل لهذه التسوية أو المشروع موجودة في منطقة الخليج«، كاشفة أن معظم دول المنطقة تعاني نقصاً كبيراً في الرساميل، وهذا ما سيفتح الفرص الكبرى للشركات الخليجية بالدخول في ورش إعمار متعددة في المنطقة، وهذا يعد أيضاً مؤشراً إضافياً الى أن هناك مستقبلاً واعداً للإقتصادات الخليجية في المساهمة بإعادة إعمار المنطقة، فضلاً عن أن هذه الاقتصادات ستتحسن مع تحسن أسعار النفط، ومع زوال جائحة »كورونا«، أو مع تحسن مؤشرات الإقتصاد العالمي.
انشر تعليق