الغاز والنفط في حوض شرق المتوسط بحرُ نزاعات أو سلم وتواصل
عبود زهر (شركة DEP القبرصية): في حال كل دولة التزمت بآليات قانون البحار عند ترسيم حدودها البحرية ستختفي لمشكلات القائمة
فادي أنطون (شركة SAIPEM الإيطالية): لا نزاع مسلحبين دول المنطقة الا ان الجميع يفاوض لتحقيق اكبر المكاسب
بحرُ نزاعاتٍ، هكذا يبدو شرق البحر المتوسط منذ أن كُشف عما يكتنزَهُ من ثروات، فغازُه أشعل فتيل صراعاتٍ على الحصص والنفوذ ما بين دول الحوض، فعن أي كنزٍ مهمٍ نتحدث ؟
تُفيد تقديرات صادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010 عن إحتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون متر مكعب من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وإسرائيل وغزة وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج. وبالرغم من أن هذه الأرقام تبقى في إطار التقديرات ولا تشمل أيضاً الأرقام المتعلقة بحوض دلتا النيل، إلا أنها لم تأت من فراغ، فخلال العقد الماضي، جرى إكتشاف العديد من حقول الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، ليبقى السؤال: بعد أن وصل الصراع على الغاز في حوض شرق البحر المتوسط إلى مفترق طرق، هل سنشهد إتجاهاً إلى العسكرة وفرض المصالح بالقوة؟ أم ستنتصر الرغبة في إستخدام الدبلوماسية لتسوية النزاعات بعد مرحلة عرض العضلات؟
من المعروف أن دولاً عدة من حوض شرق المتوسط تتشارك هذه الثروة، ففي جنوبه نجد مصر وليبيا وفي شرقه نجد كل من فلسطين واسرائيل ولبنان وسوريا، بينما في شماله نجد تركيا قبرص واليونان وأيضاً ايطاليا. ولكل من هذه الدول منطقتها الاقتصادية الخاصة بها في هذا الحوض.
وتتربع الاحتياطات المصرية من الغاز الطبيعي على عرش قائمة الاحتياطات الاستراتيجية الضخمة في هذه المنطقة، حيث تقدر الدراسات احتياطات حقل الظهر من الغاز الطبيعي بـ 30 تريليون قدم مكعب. لمصلحة مصر، وفي آب المنصرم أعلنت القاهرة ان الطاقة الانتاجية لـ »حقل ظهر« اقتربت من 3 مليارات ق.م. يومياً.
وبالإنتقال الى عامل المنافسة، نُلاحظ أن إسرائيل تنافس مصر بحقلين للغاز الطبيعي هما »حقل تمار« بإحتياطات تبلغ 10 تريليونات ق.م. وأيضاً حقل »ليفياثان« بـ 17 تريليون ق.م.
وليس بعيداً عن اسرائيل، أعلنت السلطات القبرصية في شباط 2019 عن إكتشاف شركة الطاقة الأميركية »إكسون موبيل« إحتياطياً ضخماً للغاز الطبيعي في »حقل أفروديت«، ما قد يزيد من التوتر مع تركيا المجاورة.
وفي الربع الاول من العام 2019، أعلنت شركة إكسون موبيل عن اكتشاف حقل »غلافكوس« جنوب غرب قبرص، بمخزون يُقدّر بحوالى 5 إلى 8 تريليونات ق.م. من الغاز الطبيعي.
الحل بتطبيق مقتضيات قانون البحار الدولي
في الواقع، فإنه ومع عدم ترسيم الحدود البحرية لدول المنطقة، تبرز الصراعات بأوجه عدة، ففي قبرص مثلاً يحول الإنقسام ما بين شطري الجزيرة قبرص اليونانية وقبرص التركية وأيضاً التربص التركي حيال هذا الإنقسام دون الاستفادة من امكانات التنقيب، حيث ان قبرص التركية لا تعترف بها اي دولة قط سوى تركيا.
حيال هذه المستجدات، دفعت الاطماع بتركيا الى توقيع اتفاقية بحرية مع حكومة الوفاق الليبية، الأمر الذي دفع ببعض المراقبين الى وصفه بـ »تشويه حقائق« جغرافية ثابتة، ما دفع باليونان الى التأكيد بأن هذا الاتفاق مسح جزراً يونانية في حوض البحر المتوسط.
اما لبنان، فيخوض بدوره نزاعاً مع إسرائيل على مثلث في البحر المتوسط تبلغ مساحته نحو 860 كلم2 ويقسم تلك المنطقة الى بلوكات عدة، احدها البلوك النفطي رقم 9، وهذه المنطقة تعتبر غنية بالغاز وبالنفط.
وإزاء إحتمالات نشوب نزاعات بين دول منطقة حوض شرق المتوسط، يعلق عبود زهر، أحد أبرز المهندسين العاملين في مجال النفط والغاز، ومدير فرع شركة دي أي بي DEP LEVANT في قبرص في حديث لـ »البيان الإقتصادية« بالقول: »على كل دولة الإلتزام بالآليات التي نص عليها قانون البحار الدولي عند ترسيمها حدودها البحرية، وفي حال تحقيق هذا الإلتزام ستختفي المشكلات القائمة بين بعض هذه الدول حيال النفط والغاز، لكن المشكلة تبدأ من كون اسرائيل لم توقع على هذا القانون، إذ أنها دولة متعجرفة في هذا المجال وكذلك تركيا، ولديهما رغبة دائمة بالتمدد قدر الامكان، فيما يمكن وصف جيران كل منهما بالضعفاء، وكما هو معروف دائما القوي يتمرجل على الضعيف«.
ومن المعروف أن قانون البحار الدولي حدد المنطقة الاقتصادية الخالصة بحد اقصى هو 200 ميل بحري من الحد البري، ويحق للدولة استغلال الثروات البحرية والصيد وحق التنقيب واستخراج النفط والمعادن، ويحق للدول المتشاطئة والتي لا يصل فيها عرض الى المسافات التي يحددها القانون الدولي أن تقسم المنطقة الاقتصادية إستناداً الى خط المنتصف بينها، وكل ما يقع خارج حدود المياه الاقليمية والاقتصادية هو مياه دولية تتساوى فيها حقوق جميع الدول، كما ينظم قانون البحار الدولي الامور المتعلقة بالخلجان والمضائق والممرات البحرية الدولية .
رفع سقف الشروط لتحقيق مكاسب أكبر لا أكثر
بدوره، يؤكد المهندس فادي أنطون، وهو مدير موقع تصنيع المنصات البترولية في شركة سايبم SAIPEM الايطالية وخبير في تطوير مواقع الانتاج للمنصات البترولية، في حديث لـ »البيان الاقتصادية« أن »التهدئة المتعلقة في ملف استكشافات الغاز والنفط في هذه المنطقة ضرورية جداً، وإلا لما رأينا التدخل الدبلوماسي من الدول العظمى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا في الملف، من دون أن ننسى أن لهذه الدول وللدول المتشاطئة في شرق المتوسط مصالح تعمل على تحقيقها أو تعزيزها وحمايتها، فلبنان مثلاً يهمه ان تسود حالة السلم مع اسرائيل وليس الحرب من اجل المباشرة بالإستثمار في بلوك رقم 9 من دون حصول أي نزاعات معها «.
ويبدي أنطون ثقته باستبعاد حصول صراع مسلح بين دول المنطقة، عازياً ذلك الى كون الجميع يهمه التفاوض لتحقيق أكبر المكاسب من خلال ما نسميه »سياسة رفع السقف« سقف الشروط، مشدداً على وجوب الإنتباه لمعادلة قائمة »هناك بين هذه الدول من تعد قوية إقتصاديا يقابلها دول تعاني انهياراً إقتصادياً أو على وشك الإنهيار إقتصاديا، وفي هذه الحالة الدول القوية ستستغل هذا الفارق لفرض شروطها على طاولة المفاوضات«.
بخلاف الثروة الطبيعية، تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها تطل على ثلاث قارات. وتبقى الترجيحات بفوز الدبلوماسية ولو بعد مرحلة عرض العضلات من قبل تركيا مثلاً هي الأقرب الى الواقع، وفي هذا الصدد يكشف الخبير في الاقتصاد السياسي، الأميركي الدكتور غاري نك ويدمارك في تصريح صحفي له في 7 كانون الاول 2019، أن »كميات الغاز والنفط الهائلة، المكتشفة حديثاً في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والتي تشمل لبنان وسوريا وإسرائيل وقبرص، ستكون في القريب العاجل، العامل الأساس في وقف الحروب والنزاعات المزمنة في المنطقة، وبما يرضي ربما الأطراف المتحاربة كلّها ومصالحها«.
شركات التنقيب تخوض التنافس الاقتصادي أيضا
وتتلخص المنافسة على الغاز والنفط فى شرق المتوسط بين تكتلين: الأول يضم إسرائيل مع الدول العربية وقبرص واليونان، ويفرض سيطرته على ثلاثة حقول مركزية، والثاني والحديث نسبياً يضم تركيا مع ليبيا، ويبدو أن التكتل الأول يمضي بخطوات أسرع لقطع طريق التكتل الثاني.
ويُذكر أنطون أن الشركات التي تدير عمليات التنقيب في شرق المتوسط هي شركات إيطالية وفرنسية وأميركية وروسية، وهذا ما يضع دول هذه الشركات داخل دائرة التنافس الاقتصادي على الآبار المكتشفة، مشيراً إلى السعي الدائم لدول الاتحاد الاوروبي إلى تعزيز أمن الطاقة عبر تنويع مصادر الواردات وتنويع طرق التوريد، حيث أن غاز شرق المتوسط يسهم في تخفيف الاعتماد شبه الكلي لدول شرق وجنوب اوروبا على روسيا.
ويرى أنه ومن اجل ذلك يحرص الاتحاد على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من المنطقة، فيما موسكو أيضاً حاضرة في هذا الملف من خلال شركات التنقيب في حالة لبنان، وتقديم التمويل المالي لقبرص واليونان، والوجود العسكري والاتفاقات الثنائية مع سوريا. وبرأيه، فإن مسألة الغاز والنفط في لبنان ليست متعلقة بالقيادات السياسية ولا بالشعب اللبناني، بل هي متعلقة في الحقيقة باللعبة الجيوبوليتيكة للشرق الاوسط .
انشر تعليق